زمالة الكون
يقال أن الفيزيائيين في العالم منذ بدايات القرن الماضي يعكفون على اكتشاف قوانين جامعة يمكن من خلالها تفسير كل الظواهر الكونية المعروفة كالظواهر المغناطيسية والضوئية والنووية والكهربائية والبشرية. وما ذلك إلا لإدراكهم من خلال التأمل والنظر في كتاب الكون أن هذا الكون مترابط ومتناسق ومتناغم بقوانينه ونواميسه التي أوجدها الخالق تبارك وتعالى.
ومن هنا نرى صاحب الظلال رحمه الله يقول: (وعشت في ظلال القرآن أحس التناسق الجميل بين حركة الإنسان كما يريدها الله، وحركة هذا الكون الذي أبدعه الله... ثم أنظر فأرى التخبط الذي تعانيه البشرية في انحرافها عن السنن الكونية.... ويستطرد أنه لا صلاح لهذه الأرض ولا راحة لهذه البشرية ولا طمأنينة لهذا الإنسان ولا رفعة ولا بركة ولا طهارة ولا تناسق مع سنن الكون وفطرة الحياة إلا بالرجوع إلا الله...
ويقول... فهذه القيم الإيمانية هي بعض سنن الله في الكون كالقوانين الطبيعية سواء بسواء...
ويقول... والإنسان كذلك قوة من قوى الوجود.. وعمله وإرادته وإيمانه وصلاحه وعبادته ونشاطه.. هي كذلك قوى ذات آثار إيجابية في هذا الوجود وهي مرتبطة بسنة الله الشاملة للوجود وكلها تعمل متناسقة).(12)
(فما أروع ما جاء في القرآن في قوله تعالى ( قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ) سبأ 46 ، ومعناه أنه لا يطلب منهم إلا خصلة واحدة، وهي أن يتجهوا بعقولهم وقلوبهم إلى الله الذي يؤمنون به، وبخالقيته وبخلقه للكون وتدبيره لأمره، مخلصين في طلب الهداية إلى الحقيقة )(17)
فالحقيقة أننا في عهد جديد، عهد التكنولوجيا والحضارة والمدنية والتقدم، والتي تقف على علم راسخ وقدرة عجيبة في تسخير القوانين – أي تسخير الكون.
ولكننا بين ثلاثة نماذج:
1- نموذج آمن بالله وكتابه وهديه، متخذا من الإيمان والتسليم طريقا لعبور الدنيا على أحسن وأسلم حال، فهم بذلك نجوا بأنفسهم من فتن الدنيا، ولكنهم لم يسخروا قوانين الله في الكون والنفس، وإن كانوا قد اعتقدوا بها فلا حيلة لهم ولا محاولة لامتلاكها كمستخلفين في الأرض ومؤتمنين عليها!!
2- ونموذج كفر بالله أو لم يؤمن به إيمانا كاملا، لكنه آمن بالقوانين التي خلقها الله واستعملها لسيادة الأرض والكون بالكامل، غافلين أنّ من مأمنه يؤتى الحذِر، حيث أن هذه القوانين ستجري بأيدكم إلى ما شاء الله ثم تأتي سنن الله وقوانينه في الجماعات والمجتمعات فتمحق الكفر والظلم وكل ما خالف الفطرة، ولكن سنن التدافع تنتظر أيدي من اكتمل إيمانهم بالقانون وخالق القانون، وبالسنن ومجري السنن.
3- ونموذج آمن بالله وقوانينه وسننه واعتقد أنه مكلف بالتغيير والتطوير والسيادة والريادة، ليس لأنها موروثة له، ولا لأنها هبة له من الله، ولكنه آمن بالله وقوانينه واعتقدها طريقا للعبادة والاستخلاف، فكان الأقرب لعبودية الله والأكثر حرصا على زمالة الكون، كمخلوق لا يحيد عن أمر الله.
و عندما نتكلم عن (زمالة الكون) فهي إشارة إلى ضرورة العودة بالانتماء إلى دائرة العبودية لله وحده والتي سبقنا لها الكون ، وهذا يتطلب منا اعتماد الكون نموذجا يسير على طريق الله يجدر بالانسان الاقتداء به و مبررات هذا النموذج الحي و الاستفادة من قوانينه كثيرة منها :
- قدم الكون ... فالكون موجود قبل الإنسان ، قال تعالى ( إني جاعل في الأرض خليفة )
- عظم الكون ... فالكون خلق كبير أعظم من الإنسان ( لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) 57 غافر
- طاعة الكون ... فهو مسير على الحق لا يحيد عن طريق الله أبدا .
كل ما سبق واكثر يجعل الكون نموذجا رائعا للانسان يحتذى به في اتباع القوانين والسنن.
و من هنا كان بناء الذات جهدا يتطلب العلم والإيمان معا .
من كتاب اكتشاف قوانين الذات
أ.محمود التايه
اخوكم : المجروح